أخبارمقالات وبحوث
الطغاة والأغبياء
بقلم : اسامة توفيق بدر
مساعد وزير الخارجية المصري وسفير مصر السابق في اوكرانيا (2012-2017)
بعد انقلاب ٢٠١٤ في كييف الذي شهدته والذي تم صنعه عبر السفارة الامريكية والذي أداره شخصيا كل من (نائب الرئيس آنذاك جون بايدن – والسناتور جون ماكين – وفيكتوريا نولاند مندوبة امريكا السابقة في الناتو والتي كانت آنذاك مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون الأوروبية الآسيوية) وقيامهم بالتردد الدائم على ميدان الأستقلال بكييف حيث قاموا عبر السفارة الامريكية وعملائها الاوكرانيين وعبر عمليات مخابرات ودعاية سوداء بعزل الرئيس الاوكراني الاسبق فيكتور يانوكوفيتش (25/2/2010 – 22/2/2014) الذي التزم إدراكا منه لمصلحة بلاده بالحياد بين روسيا وبين الناتو وقيامهم بتعيين رئيس حكومة متعصبه للغرب وهو اليهودي الصهيوني “ارسيني ياتسينوك” والذي أدار في البرلمان الاوكراني عملية لقطع كل الصلات مع روسيا من حيث اللغة والثقافة والآداب والتاريخ رغم وجود 40%-50% من سكان شرق اوكرانيا من اصول روسية ووجود
70%-80% من الروس في شبه جزيرة القرم.
وبمجرد صدور قرارات البرلمان الاوكراني تلك وظهور إتجاه الحكومة الجديدة لمعاداة روسيا قامت الحكومة الروسية بالإيعاز لسكان شبه جزيرة القرم الروس في اغلبهم بتنظيم إستفتاء بطلب العودة للانضمام لروسيا وهو الامر الذي تم بنسبة 94% وافق عليه فوراً البرلمان الروسي.
ثم قامت طغمة الغرب غير المدركة لمصالحها الوطنية والحاكمة لإوكرانيا آنذاك بإنتخاب الرئيس الملياردير *بيترو بوروشينكو* صاحب مصانع الشيكولاته والغربي الميول والجنسية لرئاسة الدولة الاوكرانية حيث أستمر بسياساته في الاتجاة غربا وقطع روابطه مع روسيا بل وطالب بغباء بالإنضمام للناتو والإتحاد الأوربي وأعلن التعبئة لمواجهة روسيا واستعادة القرم عسكريا وبعدها مباشرة اعلنت الأغلبيه الروسية في *منطقتي لوجانسك ودونيستك* الإنفصال وتكوين جمهوريتين مستقلتين.
وأذكر هنا أنه صادف آنذاك أن قامت إحدى المحطات التليفزيونية الأوكرانية بعمل حديث معي أذيع في عدة قنوات للترويج للسياحة في مصر حيث سألتني المذيعة عن كيف ارى حل مشكلة القرم ؟
فذكرت ان الحل الوحيد للأزمة في تقديري هو إتباع العملية السلمية التفاوضية وأن يستقل الرئيس الأوكراني طائرته ويهبط في موسكو ويتحدث مباشرة مع الرئيس الروسي وذكرت لها أن غير ذلك الأجراء لا طائل من ورائه لان هناك أي اطراف اخرى غير أوكرانية وغير روسية ستحاول البحث عن مصالحها .. وكان هذا التصريح يعكس أيضا الموقف المصري تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية وهو الموقف الذي تم الاتفاق عليه مسبقا مع وزارة الخارجية ومع رئاسة الجمهورية.
ولكن بروشينكو رفض الحديث مع بوتين بل وقاطعه ولم يرد حتى على اتصالاته ثم طلب بروشينكو توسيط المانيا وفرنسا وامريكا في النزاع فرفض بوتين ضم امريكا للوساطة ووافق على توسط المانيا وفرنسا ورفض بوتين مناقشة موضوع شبه جزيرة القرم وتم الاكتفاء بنظر مشكلة الدونباس فقط
واثر ذلك تم التوصل الي اتفاقيتي مينسك 1 ومينسك 2 وكلتاهما لم ينفذا الا في نطاق ضيق كتبادل الأسرى ونزع بعض الاسلحة حيث رفضت اوكرانيا تطبيق اهم بند فيهما وهو *تعديل دستورها ليسمح للأقليات الروسية بالإحتفاظ بلغتها وتاريخها*
وبعد تصميم اوكرانيا علي الانضمام الي الناتو وإمداد الغرب لها بأسلحة نوعية فتاكة بدأت روسيا بعد 8 سنوات من الصبر ومحاولة حل الازمة تفاوضيا وسلمياً بدأت روسيا (فبراير ٢٠٢٢) عملية اعادة السيطرة علي شرق اوكرانيا وقامت قوات روسيا بدخول اوكرانيا وهي لا تهدف هنا الي احتلال كامل اوكرانيا ولكنها عملية بمشرط جراح لها اهداف خاصه وقد قاربت على الانتهاء.
منها :
- ضمان “السيطرة علي مصادر المياه العذبة للقرم” وهي المياه التي قطعتها اوكرانيا عن القرم منذ حوالي عام وبالفعل تم الاستيلاء علي “مدينة خيروسون” مصدر المياه للقرم.
- ضمان وجود تواصل أرضي بين أراضي شبه جزيرة القرم وأراضي الجمهوريتين الروسيتين المنفصلتين وهو ماتم بالاستيلاء علي “مدينة ماريوبيل”.
- ضمان “السيطرة علي المفاعلات النووية الاوكرانية” وقد نجح ذلك فعلا.
- ضمان حقوق الاقلية الروسية في المدن الكبرى الثلاث شرقي اوكرانيا “خاركوف العاصمه القديمه وكبري مدن اوكرانيا – دينبروبتروفسكي المدينة الصناعيه الكبري – مدينة اوديسا وميناءها الاستراتيجي” وذلك لكي لا يصبح لإوكرانيا منافذ علي البحر الاسود وكل هذه المدن تقع شرقي اوكرانيا ذو الغالبية الروسية التي يقسمها “نهر دينبرو” … فما يقع شرق النهر هو “شرق اوكرانيا” الذي قاربت روسيا من السيطرة عليه.
اما “غرب اوكرانيا” فروسيا لا تريده ولن تطالب به لان سكانه ليسوا روساً وهي فقط ستنزع سلاحهم وستجعلها منطقة منزوعة السلاح بين شرق اوكرانيا وبين بولندا (وهي إحدى دول الناتو)
الوضع الحالي :
روسيا حققت معظم اهدافها وستستكمل الباقي منها وهي تتبع اسلوب عدم التورط في دخول المدن مباشرة، ولكنها تحاصرها وتظل تقصفها وتدمر بنيتها التحيه بالكامل وعندما يتحقق ذلك تدخلها وحدات الجيش الروسي بدون صعوبة.
الخلاصة:
الحرب قاربت علي الانتهاء والرئيس الاوكراني لم يفهم ان لا احد يمكن له أن يناصره ضد روسيا سوى بكلمات فارغه وقرارات أممية ستُرمى في سلة القمامة حيث أن رد فعل الغرب كان عبارة عن صناعة حدث إعلامي استخباراتي وصناعة مشاهد إعلامية مرتّبة بهدف التأثير على المشاهد العالمي في كل مكان الى جانب مقاطعه اقتصادية لن تجدي وسيتم رفعها بعد وقت قصير من انتهاء كل ما يحدث حاليا.
وعلينا هنا تذكر ان إيران واقعة تحت الحصار الاقتصادي منذ ٢٠ عاما ومع ذلك لم تتضرر بقوة وروسيا كذلك ستستفيد من العقوبات بالنظر الي الارتفاع الشديد في اسعار النفط والغاز.
واعتقد جازما أن اوكرانيا ستوقّع علي معاهدة تُسلم فيها بطلبات روسيا، بل أن روسيا ستنتظر بغير تعجل كذلك اعتقد جازما ايضا أن الرئيس الامريكي جون بايدن ومعه الحزب الديموقراطي هم الخاسر الاكبر، واعتقد انه لن يتم انتخابه لفترة قادمه نظرا لسوء ادارته للازمة.
وقد استمعت بالصدفه منذ يومين في قناة تلفزيونية الي صديقي العزيز السفير يفجيني ميكاتينكو سفير اوكرانيا السابق في القاهره مرتين وبينهما سفيرهم في الدوحة وكان نائبا لوزير خارجية اوكرانيا اثناء عملي هناك حيث قال عن الغرب: “نريد افعالهم لا اقوالهم فهم ورّطونا مع روسيا ثم تركونا امام قوتها وحضورها ونفوذها”
اخيرا أقول كان الله في عون اصدقائي ومعارفي وكل الابرياء في اوكرانيا الذين يعانون من الأعمال العسكرية ومن جهل زعمائهم لمصالح اوكرانيا الوطنية وموقعها الجيواستراتيجي وجهل كيفية التعامل مع كل ذلك بذكاء وحكمة لا بغباء وتفريط كما حدث وكما نرى ونتابع.