أخبار

الهجوم الأوكراني على كورسك الروسية عرقل «جهوداً سرية» لـ«وقف جزئي» لإطلاق النار

كشف مسؤولون لصحيفة «واشنطن بوست»، أن الهجوم الذي شنّته أوكرانيا على كورسك يعرقل الجهود السرية الرامية إلى التوصل إلى وقف جزئي لإطلاق النار مع روسيا.

وقال المسؤولون إن الدولتين المتحاربتين كانتا على وشك عقد محادثات غير مباشرة في قطر بشأن اتفاق لوقف الضربات على البنية التحتية للطاقة والكهرباء.

وشنّت أوكرانيا هجوماً مضاداً عبر الحدود قبل 10 أيام. وكانت هيئة الأركان العامة في أوكرانيا، قالت أمس (الجمعة)، إن قواتها تواصل توغلها في منطقة كورسك الواقعة جنوب روسيا.

وتقول كييف إن القوات الأوكرانية ما زالت تتقدم، وتمكّنت من بسط سيطرتها على أكثر من 80 منطقة على مساحة 1500 كيلومتر مربع.

تتصاعد أعمدة الدخان من جسر فوق نهر سيم في منطقة غلوشكوفو في أعقاب غارة أوكرانية في منطقة كورسك (رويترز)

 

اجتماع «وشيك» في الدوحة

وكشف دبلوماسيون ومسؤولون مطلعون على المناقشات للصحيفة، عن أن أوكرانيا وروسيا كانتا على وشك إرسال وفدَين إلى الدوحة هذا الشهر للتفاوض على اتفاق تاريخي لوقف الضربات على البنية التحتية للطاقة والكهرباء على الجانبين، فيما كان من المفترض أن يعادل وقف إطلاق النار الجزئي، ويعطي مهلة لكلا البلدين.

لكن المحادثات غير المباشرة، مع عمل القطريين بوصفهم وسطاء، واجتماعهم بشكل منفصل مع الوفدَين الأوكراني والروسي، خرجت عن مسارها؛ بسبب التوغل المفاجئ لأوكرانيا في منطقة كورسك الغربية في روسيا، الأسبوع الماضي، وفقاً للمسؤولين. ولم يتم الإبلاغ عن الاتفاق المحتمل والقمة المخطط لها من قبل.

لأكثر من عام، قصفت روسيا شبكة الكهرباء في أوكرانيا بوابل من الصواريخ المجنحة، مع ضربات الطائرات دون طيار؛ مما تسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها لمحطات الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد.

في غضون ذلك، شنّت أوكرانيا هجمات بطائرات دون طيار بعيدة المدى على منشآت النفط الروسية؛ مما أدى إلى إشعال النيران في المصافي والمستودعات والخزانات؛ مما أدى إلى تقليص تكرير النفط في موسكو بنحو 15 في المائة ورفع أسعار الغاز في جميع أنحاء العالم.

المؤرخ الأوكراني يوري سافتشوك رئيس متحف تاريخ الحرب العالمية الثانية الأوكراني ومقره كييف يحمل لافتة طريق في سودزا بمنطقة كورسك (أ.ب)

 

وكان بعض المشاركين في المفاوضات يأملون في أن تؤدي إلى اتفاق أكثر شمولاً لإنهاء الحرب، وفقاً للمسؤولين الذين تحدثوا مثل الآخرين بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشة الدبلوماسية الحساسة.

وأوحت الرغبة في المشاركة في المحادثات إلى شيء من التحول لكلا البلدين، على الأقل فيما يتعلق بوقف إطلاق النار المحدود.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن كييف ستنظر في وقف إطلاق النار الكامل فقط إذا سحبت روسيا أولاً جميع قواتها من الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي غزتها روسيا وضمتها في عام 2014.

وطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن تتنازل أوكرانيا أولاً عن 4 مناطق أوكرانية – بما في ذلك بعض الأراضي التي لا تحتلها القوات الروسية – التي أعلنها الكرملين جزءاً من روسيا.

ولم يلتقِ المسؤولون الأوكرانيون والروس وجهاً لوجه لإجراء محادثات منذ الأشهر الأولى من الحرب، عندما اجتمع وفدان من الجانبين؛ لإجراء محادثات سرية في إسطنبول. وانهارت تلك المفاوضات في نهاية المطاف.

وفي وقت لاحق، وافق الجانبان على صفقة حبوب أدت إلى رفع روسيا مؤقتاً الحصار البحري، مما يسمح لأوكرانيا بنقل الحبوب عبر البحر الأسود. وانهار ذلك أيضاً بعد أشهر عندما انسحبت روسيا من الصفقة. وفشلت إلى حد كبير محاولات أخرى لإنشاء ممرات إنسانية.

جندي أوكراني يمشي في وسط مدينة سودزا بمنطقة كورسك (أ.ب)

 

توغل أوكرانيا أرجأ اجتماع الروس مع القطريين

وقال دبلوماسي مطلع على المحادثات لـ«واشنطن بوست»، إن المسؤولين الروس أرجأوا اجتماعهم مع المسؤولين القطريين بعد توغل أوكرانيا في غرب روسيا. وقال الدبلوماسي إن وفد موسكو وصف ذلك بأنه «تصعيد»، مضيفاً أن كييف لم تحذر الدوحة من هجومها عبر الحدود.

وأشار الدبلوماسي إلى أن روسيا «لم تلغِ المحادثات. لقد قالوا أعطونا الوقت». وأضاف: «على الرغم من أن أوكرانيا أرادت إرسال وفدها إلى الدوحة على أي حال، فإن قطر رفضت لأنها لم ترَ اجتماعاً من جانب واحد مفيداً».

ورداً على أسئلة صحيفة «واشنطن بوست»، قال المكتب الرئاسي الأوكراني، في بيان، إن القمة في الدوحة تأجلت «بسبب الوضع في الشرق الأوسط» (حرب غزة)، لكنها ستُعقد بتنسيق مؤتمر فيديو في 22 أغسطس (آب)، وبعد ذلك ستتشاور كييف مع شركائها بشأن تنفيذ ما تمت مناقشته.

جندي أوكراني يقترب من محطة قياس الغاز التابعة لشركة الطاقة الروسية العملاقة «غازبروم» في سودزا بمنطقة كورسك (أ.ب)

 

ولم يستجب الكرملين لطلبات التعليق. ورفض البيت الأبيض التعليق على هذه القصة. لطالما قالت إدارة بايدن إن توقيت وشروط اتفاق وقف إطلاق النار المحتمل مع روسيا متروك لأوكرانيا وحدها لتقرره.

وبحسب الدبلوماسي المطلع على المحادثات، فإن كييف وموسكو أبدتا استعدادهما لقبول الترتيب في الفترة التي سبقت القمة.

لولا هجوم كورسك… هل كانت المفاوضات ستنجح؟

ولكن كبار المسؤولين في كييف كانت لديهم توقعات متباينة حول ما إذا كانت المفاوضات قد تنجح، حيث وضع البعض احتمالات بنسبة 20 في المائة، وتوقع آخرون احتمالات أسوأ، وفقاً لما قاله شخصان مطلعان على المحادثات للصحيفة، حتى لو لم يحدث هجوم كورسك. لكن المحادثات المخطط لها، والاتفاق المحتمل – المعلق الآن – يرفعان من مخاطر مقامرة زيلينسكي.

وأحد الأسباب التي جعلت المسؤولين الأوكرانيين يشككون في صدق روسيا هو حملة القصف المكثفة للبنية التحتية للطاقة الأوكرانية في الأسابيع الأخيرة. قد يؤدي مزيد من القصف إلى ترك المدنيين من دون كهرباء لساعات كل يوم خلال أشهر الشتاء الباردة.

وقال مسؤول أوكراني تم إطلاعه على المحادثات: «لدينا فرصة واحدة لتجاوز هذا الشتاء، وهذا إذا لم يشنّ الروس أي هجمات جديدة على الشبكة».

أيضاً، أوضح مسؤولون أوكرانيون وغربيون أن تحرك كييف للتوغل في روسيا، التي احتلت نحو 20 في المائة من أوكرانيا، كان يهدف جزئياً إلى منح أوكرانيا مزيداً من النفوذ لأي مفاوضات مستقبلية.

وعبّر المحللون العسكريون عن شكوكهم في قدرة القوات الأوكرانية على الحفاظ على السيطرة على الأراضي الروسية. كما استمرّت موسكو في تحقيق مكاسب في منطقة دونيتسك في شرق أوكرانيا ولم تحول قواتها من هناك للدفاع عن الهجوم الأوكراني الجديد.

ولكن فيما قد تكون كييف حسّنت موقفها التفاوضي المستقبلي بالاستيلاء على الأراضي، فإن احتمالات محادثات السلام الوشيكة تبدو متضائلة، وفق الصحيفة. إذ تعهّد بوتين علناً هذا الأسبوع بعدم تخفيف موقفه بشأن المفاوضات؛ بسبب الهجوم على الأراضي الروسية.

وقال الدبلوماسي المطلع على المحادثات إن قطر كانت تناقش الترتيبات الخاصة بوقف ضرب الطاقة مع كييف وموسكو خلال الشهرين الماضيين، وأضاف: «الجانبان اتفقا على عقد قمة في الدوحة مع ترك تفاصيل بسيطة فقط ليتم العمل عليها».

وقال شخص آخر مطلع على المحادثات للصحيفة: «بعد كورسك، تراجع الروس».

وأشار أكاديمي روسي على علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين الروس للصحيفة، إلى أن «بوتين لن يكون في مزاج لإبرام صفقة» بعد هجوم كورسك.

وقال: «القيادة الروسية لا تقدم عادة أي تنازلات تحت الضغط».

وأضاف الأكاديمي أن روسيا قد تكون أكثر استعداداً للنظر في صفقة البنية التحتية للطاقة بوصفها وسيلة لجذب كييف إلى محادثات أوسع نطاقاً لوقف إطلاق النار.

وأشار إلى أنه بخلاف ذلك، قد تكون موسكو أقل تحفيزاً؛ لأنها تعتقد بأنها يمكن أن تلحق مزيداً من الضرر بالبنية التحتية للطاقة الأوكرانية أكثر مما كانت كييف قادرة على إلحاقه بمصافي النفط الروسية.

الكهرباء والشتاء… وصمود أوكرانيا

وكانت الضربات الروسية على شبكة الطاقة في أوكرانيا تكتيكاً وحشياً، وعطّلت الحياة اليومية للأوكرانيين الذين يعيشون بعيداً عن خط المواجهة بسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي استمر لساعات يومياً. كما ألحقت الانقطاعات ضرراً بالغاً بالاقتصاد الذي شلته الحرب بالفعل.

أعرب المسؤولون الأوكرانيون عن قلقهم بشأن كيفية صمود أوكرانيا في الشتاء إذا استمرّ القصف الروسي.

وبسبب الغارات الجوية الروسية، فقدت أوكرانيا نحو 9 غيغاواط من أصل 18 اللازمة لذروة الاستهلاك هذا الشتاء، وهو أكثر مما يمكن استعادته في فترة قصيرة من الزمن.

ويقول المسؤولون إن الكهرباء يمكن أن تقتصر على 5 إلى 7 ساعات في اليوم – أو أقل – خلال الأشهر الباردة.

قال المسؤول الأوكراني المطلع على قمة قطر المخطط لها: «يجب أن يتم وزن كل شيء؛ إمكاناتنا والأضرار المحتملة لاقتصادنا مقابل مقدار الضرر الإضافي الذي يمكن أن نلحقه بهم وباقتصادهم. لكن الطاقة مهمة بالتأكيد بالنسبة لنا. وننسى أحياناً الاقتصاد هنا، لكننا نواجه السقوط الحر إذا لم يكن هناك ضوء وتدفئة في الشتاء».

وفضّل الأوكرانيون التوصل إلى اتفاق محتمل لوقف الضربات على البنية التحتية للطاقة بطريقة مماثلة لاتفاق الحبوب الذي توسّطت فيه تركيا والأمم المتحدة في عام 2022، الذي أدى إلى رفع روسيا مؤقتاً الحصار البحري؛ مما يسمح لأوكرانيا بنقل الحبوب عبر البحر الأسود.

ثم انسحبت موسكو من الاتفاق العام الماضي، مدعية أن 3 في المائة فقط من الحبوب ذهبت إلى الدول الأكثر احتياجاً على الرغم من أن أرقام الأمم المتحدة تظهر أن غالبية الصادرات من الاتفاق ذهبت إلى الدول النامية.

ومع ذلك، استمرّت كييف في نقل البضائع بنجاح من موانئها على البحر الأسود بدعم من أنقرة.

قال مسؤول أوكراني ثانٍ مطلع على الاتفاق المحتمل إنه من أجل حظر الضربات في مجال الطاقة، «نتحدث مع الشركاء للتأكد من أن الاتفاق سينجح».

ضغطت كييف على الدول لدعم خطتها للسلام المكونة من 10 نقاط، التي تتضمن انسحاباً روسياً كاملاً. وفي قمة استمرّت يومين في سويسرا في يونيو (حزيران) نظّمتها أوكرانيا، وقّعت وفود أكثر من 80 دولة على بيان مشترك روّج لتبادل السجناء، والسلامة النووية، والأمن الغذائي.

وكان من المقرر مناقشة التقدم في قضايا أخرى، مثل أمن الطاقة، في مجموعات عمل أصغر. وقال مسؤولون إنه بعد وقت قصير من القمة، اقترحت قطر فكرة وقف إطلاق النار في مجال الطاقة، وبدأت مناقشة خطة محتملة مع الجانبين. وقالوا إن المسؤولين الأوكرانيين كانوا متقبلين، لأنهم عدّوا المحادثات تندرج ضمن مبادرة «خطة السلام في كييف»، وكانوا يعتزمون إشراك الشركاء في مجموعة عمل أمن الطاقة.

ولم تدعُ أوكرانيا وفداً روسياً إلى قمة السلام في يونيو، لكن زيلينسكي قال إن موسكو ستتم دعوتها إلى القمة التالية، التي من المتوقع أن تعقد هذا الخريف.

وعدّ بعض المسؤولين الأوكرانيين والدبلوماسيين الغربيين هذه الخطوة بمثابة علامة على أن كييف أصبحت الآن أكثر انفتاحاً على النظر في المفاوضات مع روسيا.

أشار مسؤولون أوكرانيون آخرون بسرعة إلى أن أوكرانيا كانت دائماً منفتحة على المحادثات، لكنهم طالبوا بأن تحترم هذه المناقشات سلامة أراضي أوكرانيا الكاملة

وقال بعض المحللين الروس إن استيلاء أوكرانيا الجريء على الأراضي الروسية في منطقة كورسك قد يمنح أوكرانيا ورقة مساومة قوية في أي مفاوضات مستقبلية مع روسيا، إذا نجحت القوات الأوكرانية في بناء التحصينات للدفاع عن موقعها قبل هجوم مضاد روسي واسع النطاق.

لكن المحلل السياسي المرتبط بالكرملين سيرغي ماركوف، قال إن «بوتين قال مراراً وتكراراً إن أي اتفاق سلام يجب أن يأخذ في الاعتبار الحقائق على الأرض، وأن روسيا لن تغادر الأراضي التي احتلتها».

وأضاف أن أوكرانيا تحاول «كسر هذه الصيغة، والحصول على أراضٍ روسية للتبادل».

المصدر / الشرق الأوسط