أخبار

هل ينجح بوتين بكسب قلوب الروس في «انتخابات ديمقراطية موجهة»؟

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً سعيه لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس (آذار) المقبل، وسط تحديات داخلية وخارجية ضخمة تجعل الالتفاف الشعبي حول الرئيس أمراً لا مفر منه.

ويقول الباحث أندريه بيرتسيف في تقرير نشرته مؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي»، إن المديرين السياسيين في الكرملين عرفوا منذ فترة طويلة ما يريدونه من الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وهو نسبة إقبال قياسية، وأن يحصل الرئيس بوتين على أكبر حصة له على الإطلاق من الأصوات. ومع ذلك، كان لا بد من تعديل خططهم على الفور، عندما قال زعيما حزبين سياسيين إنهما لن يترشحا. وبدلاً من ذلك، سوف يخوض بوتين الانتخابات ضد المرشحين الاحتياطيين والمفسدين، الأمر الذي من شأنه أن يقوض رواية الكرملين حول أهمية الانتخابات.

وسيمثل الحزب الديمقراطي الليبرالي الروسي القومي المتطرف زعيمه ليونيد سلوتسكي، وهو أكبر منافس للرئيس من حيث الوضع الرسمي. ورفض رئيس الحزب الشيوعي جينادي زيوجانوف الترشح، وسيحل محله نيكولاي خاريتونوف. ولن يشارك زعيم حزب الشعب الجديد الوسطي، أليكسي نيتشايف، وسيمثله نائب رئيس مجلس الدوما فلاديسلاف دافانكوف.

ويقول بيرتسيف إنه ليس سراً أن الكرملين أراد زيوجانوف ونيتشايف على بطاقات الاقتراع؛ لسببين، أولهما أنهما سياسيان كبيران معروفان للجمهور. وثانياً، من شأن مشاركتهما أن تسهل على المديرين السياسيين في الكرملين تحقيق فوز بوتين الكبير الذي كانوا يسعون إليه. وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2018، حصل بوتين على 76.7 في المائة من الأصوات، مع نسبة إقبال بلغت 67.5 في المائة. ويجب الآن الحصول على نسبة أعلى منها.

وبعبارة أخرى، يمكن للكرملين أن يسمح لخصوم بوتين بما يصل إلى 20 في المائة من الأصوات. ولو كان زيوغانوف مرشحاً لكان قادراً على التطلع إلى نحو 10 في المائة، وهو تقريباً المستوى الحالي من الدعم للحزب الشيوعي. ويمكن لمرشح الحزب الديمقراطي الليبرالي أن يتوقع بضع نقاط مئوية أقل من مستوى دعمه على المستوى الوطني (نحو 8 في المائة). وبالتالي، يمكن للمرشح من حزب «الشعب الجديد» أن يأمل في نحو 3 في المائة.

ومن شأن سلوتسكي، الذي يريد أن ينظر إليه على أنه سياسي وطني وأن يهدئ حزبه المضطرب، الترحيب بهذا النوع من السيناريوهات. ومع ذلك، لن يعدّ ترشحه ناجحاً إلا إذا حصل على ما لا يقل عما بين 5 إلى 6 في المائة من الأصوات، كما فعل سلفه عادة، ومن الناحية المثالية، يأتي في المرتبة الثانية بعد بوتين.

ومن الواضح أن سلوتسكي يعتقد أن هذا ممكن. ومثل هذا السيناريو أقل قبولاً من جانب المرشحين الآخرين. وإذا قرر زيوغانوف الترشح، فمن المحتمل أنه كان سيحصل على أسوأ نتيجة له على الإطلاق. وهناك فرصة ضئيلة لمشاركة الشيوعي المخضرم في الانتخابات الرئاسية لعام 2030 (حيث سيكون عمره 85 عاماً في ذلك الوقت)، ومن الواضح أنه لم يرغب في إنهاء حياته السياسية بمثل هذه الملاحظة المخيبة للآمال. ومن المحتمل أن يكون زيوغانوف قد سعى شخصياً للحصول على موافقة بوتين على عدم الترشح؛ لأن قراره يتعارض مع رغبات مديري الكرملين.

واتبع نيتشايف خطى زيوغانوف. وبوصفه رجل أعمال، كان بإمكانه أن يرى أن هذه الانتخابات كانت لعبة محكوم عليه بخسارتها. والواقع أن دافانكوف بديل نيتشايف، معروف جيداً لدى المديرين السياسيين لبوتين والمشرف السياسي الداخلي على الكرملين سيرغي كيريينكو.

لكن هناك عيباً خطيراً يشوبه من وجهة نظر الكرملين، وهو أنه يبلغ من العمر 39 عاماً فقط. ويرى بيرتسيف أن السماح لهذا الشاب بأن يكون على بطاقات الاقتراع يخاطر بلفت الانتباه إلى تقدم بوتين في السن الذي بلغ الحادية والسبعين من عمره العام الماضي.

وذكرت صحيفة «فيدوموستي» في ديسمبر (كانون الأول) أن مديري الكرملين يحاولون إقناع نيتشاييف بالترشح. ومع ذلك لم ينجحوا في النهاية. إن غياب زيوجانوف ونيتشايف يعقّد الحسابات الانتخابية للكرملين. وبعض أنصار الحزب الشيوعي لن يكونوا راضين عن ترشيح خاريتونوف، ولن يصوتوا له. وسيجعل هذا من الصعب تحقيق هدف الإقبال؛ إذ يمكن عادة الاعتماد على ناخبي الحزب الشيوعي للوصول إلى مراكز الاقتراع. كما أن مشاركة دافانكوف قد تجعل من الصعب على بوتين الحصول على نتيجته القياسية. والقضية ليست خطاب دافانكوف، ولكن حقيقة أنه مبتدئ وصغير السن نسبياً.

وتجدر الإشارة إلى رجل الأعمال بافل غرودينين، مرشح الحزب الشيوعي في عام 2018، الذي شهد ارتفاعاً في شعبيته لمجرد أن الناخبين رأوه وجهاً جديداً. واضطرت السلطات إلى اللجوء إلى التشويش للإضرار بشعبيته.

إن فقدان المرشحين ذوي الجودة العالية يعني أن الكرملين سيضطر إلى اختيار زيادة العدد. ومن المحتمل أن تظهر بضعة أسماء أخرى على بطاقات الاقتراع من الآن وحتى التصويت في 15 – 17 مارس.

ومن الواضح أيضاً أنه لن يسمح لأي مرشح مناهض للحرب بالترشح. لقد سئم الروس من الحرب في أوكرانيا، مما يعني أن أي مرشح يدعو إلى إنهاء القتال يضمن بعض الدعم. وهذا يمكن أن يدمر خطط الكرملين.

ويقول بيرتسيف إنه من بين أسباب الأزمة تعطش بوتين للسجلات الانتخابية، وحبه للانتخابات على غرار الاستفتاء الذي يطمئنه إلى أنه يحتفظ بحب الشعب. مثل هذه التكتيكات تعني أنه من السخرية بشكل متزايد الحديث عن «الديمقراطية». ولم تعد المشاركة في مثل هذه اللعبة المزورة احتمالاً جذاباً حتى بالنسبة للسياسيين الروس داخل النظام.

ويضيف أن الكرملين يحاول تأطير التصويت المقبل باعتباره حدثاً وطنياً كبيراً، حيث ترافقه معارض ومسابقات ومؤتمرات ضخمة. لكن النظرة المخيبة للآمال لمعارضي بوتين تقلل من قيمة كل هذه الجهود، بل قد تلقي بظلالها على انتصاره الحتمي. والعملية برمتها تخاطر بأن تبدو وكأنها مهزلة.

وبعد الانتخابات، تعني مشاكل «الديمقراطية الموجهة» أن الكرملين سيكون مضطراً إلى إعادة التفكير في النظام السياسي الروسي، والحل الواضح هو إبعاد كل أفكار المهزلة عن عقول الشعب من خلال زيادة مستويات الترهيب والخوف، وقمع المعارضة، وفقاً لما خلص إليه بيرتسيف.